إبحث عن موضوع

ضجيج الموتي 💀

-وحشتيني.
-امال اقتلتني ليه؟ طالما إنتَ عارف انيّ هاوحشك.
-الي جرى كان لازم يحصل، ولو رجع بيا الزمن كُنتِ لازم تموتي.
-طاب وإنتَ كنت فاكر أني هسيبك؟! مغفل طول عمرك ياسراج.
وبصوت عالي جدًا قال:
-أنا مش مغفل وإنتِ عارفة كده كويس..
-لا مغفل وعبيط كمان ولو مش كده كنت اكتشفت من بدري الي بيحصل لكن ببساطة إنتَ ساذج جدًا.
-بقولك ايه غوري من وشي انا مش عاوز اشوفك تاني.
-طول ما إنتَ عايش هتشوفني.. حتى في أحلامك.
                                      ***
قبل سنتين من دلوقتي..

أخيرًا "نجوى" حامل، وبعد إنتظار اكتر من سنتين.. حقيقي أنا سعيد جدًا بأني أخيرًا هبقى أب وكمان هشوف نجوى مراتي أم..
 شعور إنك تبقى أب دا؛ أحساس على قد أنه حلو جدًا ومستحيل يتوصف، إلا أنه بيكون مرافق لشعور السعادة ده؛ الاحساس بالرهبة والقلق، يمكن الاحساس دا كان عندي في فترة حمل نجوى، بس أول ما مسكت ابني "زياد" حسيت بحاجة غريبة آوي، كُل المشاعر الي كانت عندي ناحيته في فترة الحمل راحت فجأة، مابقتش حاسس خالص بأي حاجة ناحيته، وكأنه مش ابني!

علشان اكون صريح أنا اتغاضيت عن الاحساس دا، وقولت يمكن علشان دي أول مًرة، وانيّ مش مستوعب اني بقى ليَّ أبن.

شهر مَّر على ولادة زياد، وأنا لسه مش حاسس أن ليَّ، دا لدرجة في مرة في الشغل حد بيادي علىَّ (بأبو زياد) وانا مردتش!

كُنت دايمًا بكلم حسن" صاحبي الي معايا في الشغل، وهو بالمناسبة مش زميل شغل وبس، لأ دا صاحبي عمري  زي ما بيقولوا، من أيام إعدادي، واحنا صحاب، عمرنا ما فترقنا، كنت بكلمه وبقوله بخصوص أني مش حاسس بأي حاجة ناحية زياد، وكنت حابب اعرف دا شعور طبيعي ولا ايه؟ هو مش متجوز ولا حاجة يعني، بس طبعًا الغرقان بيتعلق بقشاية، فكان رده علطول؛ أن دي حاجة طبيعية علشان انا لسه اب جديد والكلام ده.

اكتر من شهر فات، وأنا لسه زي ما أنا، مفيش أي جديد..  الوقت ده؛ من كل السنة في الشغل بنروح مصيف في الإسكندرية، ومن جيب كُل واحد فينا بندفع مبلغ مش كبير آوي، وبيه بنروح هناك، نقعد تقريبا هناك عشر أيام، و أكيد طبعًا كنت باخد مراتي في كل سنة وبنقضي وقت مع بعض حلو..

لحظتها دارت في دماغي فكرة شيطانية شوية، وهي اني اروح  عند أي معمل احلل عنده واعرف هل أنا اصلًا بخلف ولا ايه الوضع؟ كل دا طبعًا كان سببه علشان اسكت الحاجة إلى جوايا الي بتقول أن زياد مش ابني!

من أول ما رجلي اتحطط في اسكندرية، وأنا رحت على أقرب معمل، وبالفعل عملت التحليل،وبعد خمس أيام رحت من تاني المعمل:
-ها يادكتور النتيجة ايه أخبارها؟
-اقعد.. اقعد بس الأول.. قولي ياسراج إنتَ مخلف؟
-اه مخلف.
-امم.. النتائج الي عندي ياسراج بتقول أنك مش بتخلف!
                                     ***
الخزلان والحزن كان ظلي طول الطريق.. حقيقي أنا كُنت حاسس من أني مش بخلف؛ بدليل الكائن الي خلفته نجوى الي مش مش حاسس من نحيته بأي حاجة.
مش عارف اعمل ايه ولا عارف اتصرف إزاي يمكن غيري سهل جدًا أنه يطلق مراته ولا حتى يقتلها، إنما أنا عارف نفسي كويس مش هقدر اعمل كده، طول عمري عايش جمب الحيط، كنت وحيد ابويا وامي، اخر حاجة كنت افكر اعملها هي أني اخد قرار.. اه دا حقيقي جدًا، والدي والدتي كانوا هما الراعي الرسمي ليَّ في كل حاجة في حياتي، حتى نجوى الي أتجوزتها كانت من اختيارهم هما مش انا.. دلوقتي أنا لازم اخد قرار؛ هل اعيش ساكت واكمل حياتي وانا عارف أن الشيء الي المفروض ابني هو في الحقيقة مايمتش ليَّْ بصلة، ولا اخد قرار فعلًا واعمل حاجة تنجدني من الي انا فيه؟ الإجابة هي أن مش عارف ولا مدرك حتى الكارثة الي حصلت دي.
                                        ***
كانت لينا شقة في أسكندرية، وفي كل سنة لمَّا كنا المضيف الي تبع الشغل، كنت بقعد أنا ونجوى في الشقة دي.

لما فتحت باب الشقة، ملقتش نجوى ولا حتى زياد، بصيت يمين شمال؛ ملقتش غير الهدوء وبس، فبديهي رحت على أوضة، وقبل ما فتح بثواني سمعت صوت مراتي هي وبتتوجع، بس لأ دا مش صوت واحدة بتتألم! الشيطان وقتها كان حقيقي هو المُّحرك ليا؛ رحت على المطبخ بسرعة وجبت سكينة كبيرة، وفتحت باب الاوضة، ردة فعلي قصاد ردة فعلهم كانت اسرع منهم بكتير.. صدمتي الوحيدة لحظتها كانت في الشخص الي مع نجوى والي كان حسن!

معرفش إزاي وقتها غرست السكينة في بطنه! ومختش وقت كتير في تقدير مين الشخص ده، بعد ما قتلت حسن، كانت نجوى بتترجى فيَّ علشان ماقتلهاش، بس أنا مكنتش عارف اتحكم في نفسي، وكأني كنت بخرج  كبت وقرف كل السنين الي فاتت.. ومن شعرها مسكتها وبكل قوة دبحتها! علشان استمتع بصوت بخشرجة الموت وشلال الدم الي نزل منها.. اه الي عمل مكنش أنا دا انا كان قاتل متسلسل.. عاش حياته بناس كانت بتحرك له كل حياته وكأنه دمية، وأول ما فك قيوده عنهم؛ سخط ولعن كُل واحد مكنش مدي له فرصه أنه ياخذ قرار بنفسه.. دوى في المكان كله فجأة صوت عياط طفل، كان صوت زياد الي كان موجود في وسط كل حصل، بصت له، وبالامبالاة مشيت وسبته غرقان في دم امه!
                                     ***
بعد الي حصل، مكنش في يوم بيعدي إلا وكانت نجوى لازم تتجسد قدام عيني، اه أنا قدرت أني اهرب من الشرطة ومحدش يعرف لي طريق بس مقدرتش أني اهرب منها، ومن سجنها الي حبستني فيه، كل يوم بشوفها لدرجة أني بقيت حاسس أنها لسه مماتش، أنا قرفت ومعتش قادر أني اشوف وشها تاني، وعلشان كده انا خدت قراري بالأنتحار أو انا مش هسميه إنتحار أنا هسميه الموت الرحيم علشان ضجيجها الي سببتهولي، ماتستغربوس أني بتعامل معاها وكأنها عايشة مش مجرد ضجيج موتى!
ومن بلوكنة الشقة الي في الدور العاشر رميت نفسي لتحت، وقبل ما جسمي يوقع على الأرض؛ شفتها باصة ليّ من البلكونة ورقبتها نازلة منها شلال دم على نفس مشهد قتلي ليها، وفي نفس الوقت كان بؤقها راسم أبتسامة مرعبة، وفجأة شفتني وانا على الأرض والناس حوليا متجمعة بتسأل عن  مين الي أنتحر دا من الشقة المهجورة الي في الدور العاشر؟!
(تمت)

ليست هناك تعليقات